علاج الأمراض بالميكروبات

يعيش العالم الآن نقطة تحول جديدة في علاج الأمراض بعد أن كان لا يعرف إلا طب الأعشاب ، ثم تحول بعد ذلك إلى معرفة الطب الكيميائي فهو أحد التحولات الحاسمة بالغة الأهمية التي شهدتها الرعاية الطبية الحديثة .
عرف الأطباء منذ آلاف السنين أن لحاء شجر الصفصاف وزيت بذر الخشخاش يخففان الألم ، ولكن علم الصيدلة الحقيقي لم يبدأ إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وذلك عندما قام فيليكس هوفمان بتخليق نسخ من مكوناتها الفعالة ، ونعني تحديدا حمض الأسيتيل ساليسيليك وديامورفين ( أو الأسبيرين والهيروين كما يعرفان عموما ) .
أظهرت السنوات القليلة الماضية أن إقامة علاقات طيبة مع ال 100 تريليون صنف من البكتريا التي تستوطن الأمعاء لازمة من أجل الصحة البشرية .
فإذا انهارت هذه العلاقات يقع الآنسان تحت الغزو البكتيري المعادية ، وربما تتحول البكتيريا التي كانت من قبل صديقة إلى بكتيريا معادية .
لكن عندما تسوء الأمور يمكن لجرعات من البكتيريا التصحيحية أن تحدث فرقا ، ويمكن إعطاء هذه الجرعات عن طريق الفم ، أو في الأطعمة من قبيل الزبادي ، أو عن طريق الشرج ، وذلك من خلال زرع براز مأخوذ من أشخاص أصحاء .
لكن بعض الأطباء يرون أن هذه النهج تضاهي مستحضرات مغلي لحاء الصفصاف ومستحضرات صبغة الأفيون ، ويودون إقامة الفكرة بأكملها على أساس علمي ، وهناك فريقان منهم نشرا للتو أبحاثا تمثل خطوتين على الطريق إلى فعل ذلك .
يأمل تريفور لولي وزملاؤه في معهد ويلكوم تراست سانجر ، القريب من كامبريدج ، أن يستبدل بالبراز المزروع بكتيريا تسمى كلوستريديوم ديفيسل كطريقة للعلاج .
وتعد هذه البكتيريا بشكل خاص بلية تصيب من يتلقون علاجا في المستشفيات بمضادات حيوية تؤخذ عن طريق الفم وتقتل كثيرا من ميكروبات الأمعاء ومن ثم تسمح لبكتيريا كلوستريديوم ديفيسيل بالتصرف خارج نطاق السيطرة .
والبراز المزروع فعال ، لكن الدكتور لولي أراد أن يفهم أسباب نجاح هذا البراز وأن يعرف ما إذا كان ممكنا استعمال نسخة مكيفة بدرجة أكبر من هذا العلاج .
وقد وجد الدكتور لولي أن هذا ممكن ، عند الفئران على الأقل ، حيث صنع مزرعة من بكتيريا برازية مأخوذة من فئران صحيحة وجرب توليفات متعددة منها على حيوانات مصابة ببكتيريا كلوستريديوم ديفيسيل .
وإذا نجح شيء مماثل على البشر ، صار ممكنا القضاء على بلية عدوى بكتيريا كلوستريديوم ديفيسيل التي تنتقل أثناء الوجود في المستشفيات وتقتل 14 ألف شخص كل سنة في الولايات المتحدة وحدها .
لكن علاج الدكتور لولي مازال يستخدم البكتيريا الطبيعية ، أما الدكتورة نتالي فيرنيول ، الباحثة بالمعهد الوطني الفرنسي للبحوث الصحية والطبية ، فتريد المضي مرحلة أبعد من ذلك ، حيث يوظف علاجها المفترض لمرض الأمعاء الإلتهابي والتي تصفه هي وفريقها ببكتيريا مهندسة وراثيا .
توجد أدلة على أن علاج التهاب الأمعاء ( الذي يمكن أن يسفر عن أمراض مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي ) ببكتيريا مثل لاكتوكوكوس لاكتيس ، ولاكتوباسيلس ، ولاكتوباسيلس كاسي يساعد على تخفيف الأعراض . وتوجد هذه البكتيريا في منتجات الألبان مثل الزبادي ، وهذا هو أساس الادعاء بأن أكل الزبادي مفيد للأمعاء .
لكن الدكتورة فيرنيول ترى أنه يمكن تعديل هذه البكتيريا كي تعمل بشكل أفضل .
أحد أسباب الالتهاب هو نشاط إنزيم يسمى إيلاستاز وهذا الإنزيم كما يشير اسمه يقلل البروتينات التي تجعل جدار الأمعاء مرنا . ويقلص الالتهاب وفرة بروتين آخر ( إيلافين ) يثبط مفعول إنزيم إيلاستاز .
ومن ثم قامت الدكتورة فيرنيول بزيادة كلا من لاكتوكوكوس لاكتيس ، ولاكتوباسيلس كاسي بالجين الذي يشفر إيلافين وأطلقت العنان لهذه البكتيريا في فئران مصابة بالتهاب في الأمعاء .
نجحت التجربة نجاحا مبهرا ، حيث عادت أمعاء هذه الفئران ، بشكل أو بآخر إلى المظهر الطبيعي ، وأثبت التحليل الكيميائي أن مستوياتها من البروتينات المسماة السيتوكينات عادت هي الأخرى إلى المستوى الطبيعي .
مازلنا إلى الآن لا نعرف بعد إذا كان أي من الطريقتين سينجح لدى البشر ، وإذا نجحا فربما يفتحا آفاقا للعلاج البكتيري لحالات مرضية مرتبطة ببكتيريا الأمعاء ومن ضمنها البدانة والسكري بل والتوحد أيضا ، ومن ثم فنحن ربما نكون على أعتاب عهد جديد من الطب البكتيري .

0 التعليقات:

إرسال تعليق