مناعة من البلاستيك

أصبح الآن من حقنا قولنا أن مناعة الجسم يمكننا تصنيع أجسام مضادة لها وصالحة للإستخدام الطبي لدى الكائنات الحية قد أصبح قريبا للتحقق وتحول من حلم إلى شيء قريب المنال .
هذا ما يعكسه النجاحالذي حققه فريق من الباحثين قد توصلوا إلى صناعة أجسام مضادة Antibodies مصنوعة بالكامل من البلاستيك ، وقد نجحت التجربة وتم استخدامها بنجاح لدى الفئران ونجحت في إنقاذها من سم النحل الذي حقنت به بغرض التجربة ، يأمل الباحثون والأطباء في أن تكون هذه الخطوة خطوة مبشرة على طريق الوصول إلى صناعة أجسام مضادة حسب الرغبة ووفق الحاجة ، وتناسب كافة الاستخدامات الطبية .
عرفنا منذ زمن أن الأجسام المضادة الطبيعية تشكل جزءا مهما من تشكيل الجهاز المناعي داخل الجسم .
وعادة يكون كل جسم مضاد موجها لاستهداف جسم غريب أو كائن ممرض  بعينه في علاقة نوعية تشبه في أدبيات الطب التقليدية بالقفل والمفتاح .
وبطريقة مماثلة تحتوي الأجسام المضادة المصنعة من البلاستيك ، موضوع الدراسة ، على تجاويف تتم قبولتها بدقة في الشكل الصحيح المناسب للارتباط بالجزيئات المستهدفة ، وهي في هذه التجربة جزيئات الميليتين Melittin ، وهو العنصر الفعال في سم النحل .
ومن أجل صنع أضداد الميليتين البلاستيكية لجأ الباحثون إلى تقنية الدمغ أو البصم الجزيئي Molecular Imprinting حيث استخدموا مادة محفزة لتحريض تشكل بوليميرات حول جزيئات سم النحل ، ثم أذابوا السم نفسه ، تاركين تجاويف فارغة مصممة بشكل دقيق من أجل اصطياد الميليتين .
وقد دكرت دراسة لباحثين أن حقن هذه الجزيئات النانوية البلاستيكية الدقيقة داخل مجموعة من الفئران ، بعد 20 ثانية من حقنها بسم النحل ، أدى إلى نجاة حوالي 60% منها ، بينما ماتت في المقابل جميع الفئران التي لم تحقن .
وفي مرحلة لاحقة تم تحطيم الأجسام المضادة البلاستيكية من قبل الكبد ، لأن الجزيئات النانوية البوليميرية الموجهة للارتباط بالميليتين قد اقتنصت الميليتين في مجرى الدم بشكل فعال .
يرى مايك ويتكومب Mike Whitcombe أن هذه التجربة مهمة جدا لكونها أول استخدام علاجي فعال وناجح لهذه المواد داخل أجسام حية ، لكن فيليب هوليجر Philipp Holliger من مختبر البيولوجيا الجزيئية في كامبردج ورغم إقراره بأن الأضداد البلاستيكية تنجز بعض وظائف الأضداد الطبيعية ، إذ تخلب السموم وترسلها إلى الكبد لكي يقوم بتدميرها ، الأمر الذي يجعل منها بدائل فعالة للأجسام المضادة الطبيعية ، خاصة في المعالجات المضادة للسموم ، إلا أنه لا يتوانى في الوقت نفسه عن طرح شكوك قوية حول ما إذا كانت تلك المواد البلاستيكية قادرة على إنجاز الوظائف المهمة الأخرى للأضداد الطبيعية ، مثل تلقين Priming الجهاز المناعي في الجسم لكي يحارب الأخماج المستقبلية ، كما أن الأضداد المصطنعة حسب هوليجر نفسه وخلافا للأجسام المضادة الطبيعية غير مجهزة بوسائل اتصال مع الخلايا المناعية والمكونات
الأخرى للجهاز المناعي ، مما يفقدها القدرة على المساهمة في التنظيم المناعي بالشكل المطلوب .
وعلى الرغم من ذلك ومع تتابع الأبحاث والتجارب في هذا الموضوع ، لا يبدو أن هناك ما يمنع العلماء
من التفاؤل في طبيعة ونوعية الأدوار المستقبلية التي يمكن أن تقوم بها تلك الأجسام المضادة المصطنعة ، أو كما نسميه من البداية تلك المناعة البلاستيكية .

0 التعليقات:

إرسال تعليق